فصل: ومن باب تصلي المرأة بغير خمار:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب في كم تصلي المرأة:

قال أبو داود: حدثنا مجاهد بن موسى حدثنا عثمان بن عمر حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله، يَعني ابن دينار عن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه عن أم سلمة «أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليهما إزار. فقال: إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها».
قلت: واختلف الناس فيما يجب على المرأة الحرة أن تغطي من بدنها إذا صلت.
فقال الأوزاعي والشافعي تغطي جميع بدنها إلاّ وجهها وكفيها.
وروي ذلك عن ابن عباس وعطاء وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها. وقال أحمد المرأة تصلي ولا يرى منها شيء ولا ظفرها وقال مالك بن أنس إذا صلت المرأة وقد انكشف شعرها أو صدور قدميها تعيد ما دامت في الوقت. وقال أصحاب الرأي في المرأة تصلي وربع شعرها أو ثلثه مكشوف، أو ربع فخذها أو ثلثه مكشوف، أو ربع بطنها أو ثلثه مكشوف فإن صلاتها تنتقض، وإن انكشف أقل من ذلك لم تنتقض وبينهم اختلاف في تحديده.
ومنهم من قال بالنصف ولا أعلم لشيء مما ذهبوا إليه في التحديد أصلا يعتمد.
وفي الخبر دليل على صحة قول من لم يجز صلاتها إذا انكشف من بدنها شيء ألا تراه يقول: «إذا كان سابغا يغطي ظهور قدميها» فجعل من شرط جواز صلاتها أن لا يظهر من أعضائها شيء.

.ومن باب تصلي المرأة بغير خمار:

قال أبو داود: حدثنا ابن المثنى حدثنا حجاج بن منهال حدثنا حماد عن قتادة عن محمد بن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقبل صلاة حائض إلاّ بخمار».
قلت: يريد بالحائض المرأة التي قد بلغت سن المحيض ولم يرد به المرأة التي هي في أيام حيضها فإن الحائض لا تصلي بوجه.

.ومن باب الرجل يصلي عاقصا شعره:

قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج حدثنا عمران بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد المقبري يحدث عن أبيه «أنه رأى أبا رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بالحسن بن علي وهو يصلي قائمًا وقد غرز ضفره في قفاه فحمله أبو رافع فالتفت حسن إليه مغضبا. فقال أبو رافع اقبل على صلاتك ولا تغضب فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ذلك كفل الشيطان، يَعني مقعد الشيطان، يَعني مغرز ضفره».
يريد بالضفر المضفور من شعره وأصل الضفر الفتل والضفائر هي العقائص المضفورة.
وأما الكفل فأصله أن يجمع الكساء على سنام البعير ثم يركب قال الشاعر:
وراكب على البعير مكتفل ** يحفى على آثارها وينتعل

وإنما أمره بإرسال الشعر ليسقط على الموضع الذي يصلي فيه صاحب من الأرض فيسجد معه.
وقد روي: «أمرت أن أسجد على سبعة آراب وأن لا أكف شعرًا ولا ثوبًا».

.ومن باب الصلاة في النعل:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد، عَن أبي نعامة السعدي، عَن أبي نضرة، عَن أبي سعيد الخدري قال: «بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره. فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى صلاته قال: ما حملكم على إلقاء نعالكم، قالوا رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا».
قلت: فيه من الفقه أن من صلى وفي ثوبه نجاسة لم يعلم بها فإن صلاته مجزية ولا إعادة عليه.
وفيه أن الايتساء برسول الله صلى الله عليه وسلم في أفعاله واجب كهو في أقواله، وهو أنهم لما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم خلع نعليه خلعوا نعالهم.
وفيه من الأدب أن المصلي إذا صلى وحده فخلع نعله وضعها عن يساره وأما إذا كان مع غيره في الصف وكان عن يمينه وعن يساره أناس فإنه يضعها بين رجليه. وفيه أن يسير العمل لا يقطع الصلاة.

.ومن باب المصلي إذا خلع نعليه أين يضعهما:

قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا عثمان بن عمر حدثنا صالح بن رستم أبو عامر عن عبد الرحمن بن قيس عن يوسف بن ماهك، عَن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى أحدكم فلا يضع نعليه عن يمينه ولا عن يساره فتكون عن يمين غيره إلاّ أن لا يكون عن يساره أحد وليضعهما بين رجليه».
قلت: فيه باب من الأدب وهو أن يصان ميامن الإنسان عن كل شيء يكون محلًا للأذى.
وفيه أن الأدب أن يضع الإنسان نعله إذا أراد الصلاة بين يديه أو عن يساره إن كان وحده.
وفيه دليل على أنه إن خلع نعله فتركها من ورائه أو عن يمينه أو متباعدة عنه من بين يديه فتعق بها إنسان فتلف إما بأن خر على وجهه أو تردى في بئر بقربه أن عليه الضمان، وهذا كواضع الحجر في غير ملكه وناصب السكين ونحوه لا فرق بينهما والله أعلم.

.ومن باب الصلاة على الخُمرة:

قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون حدثنا خالد عن الشيباني عن عبد الله بن شداد قال حدثتني ميمونة بنت الحارث قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الخمرة».
قلت: الخمرة سجادة تعمل من سعف النخل وترمل بالخيوط. وسميت خمرة لأنها تخمر وجه الأرض أي تستره.
وفيه من الفقه جواز الصلاة على الحصير والبسط ونحوها وكان بعض السلف يكره أن يصلى إلاّ على جديد الأرض. وكان بعضهم يجيز الصلاة على كل شيء يعمل من نبات الأرض.
فأما ما يتخذ من أصواف الحيوان وشعورها فإنه كان يكرهه.

.ومن باب الرجل يسجد على ثوبه:

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا بشير، يَعني ابن المفضل حدثنا غالب القطان عن بكر بن عبد الله عن أنس قال: «كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن وجهه من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه».
وقد اختلف الناس في هذا فذهب عامة الفقهاء إلى جوازه. مالك والأوزاعي وأصحاب الرأي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.
وقال الشافعي لا يجزيه ذلك كما لا يجزيه السجود على كور العمامة، ويشبه أن يكون تأويل حديث أنس عنده أن يبسط ثوبًا هو غير لابسه.

.ومن باب تسوية الصفوف:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا سماك بن حرب سمعت النعمان بن بشير يقول: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسَوينا في الصفوف كما يقوّم القِدح».
القدح خشب السهم إذا بري وأصلح قبل أن يركب فيه النصل والريش.
قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رُصُّوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل بين خلَل الصف كأنها الحَذَف».
قوله: «رصوا صفوفكم» معناه ضموا بعضها إلى بعض وقاربوا بينها ومنه رص البناء قال تعالى: {كأنهم بنيان مرصوص} [الصف: 4] والحذف غنم سود صغار، ويقال إنها أكثر ما تكون باليمن.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عاصم حدثنا جعفر بن يحيى بن ثوبان أخبرني عمي عمارة بن ثوبان عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خياركم ألينكم مناكب في الصلاة».
قلت: معنى لين المنكب لزوم السكينة في الصلاة والطمأنينة فيها لا يلتفت ولا يُحاك بمنكبه منكب صاحبه. وقد يكون فيه وجه آخر وهو أن لا يمتنع على من يريد الدخول بين الصفوف ليسد الخلل أو لضيق المكان، بل يمكنه من ذلك ولا يدفعه بمنكبه لتتراص الصفوف وتتكاتف الجموع.

.ومن باب ما يستحب أن يلي الإمام في الصف:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يزيد بن زريع حدثنا خالد، عَن أبي معشر عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليليني منكم ذوو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم وإياكم وهَيشات الأسواق».
قلت: إنما أمر صلى الله عليه وسلم أن يليه ذوو الأحلام والنهى ليعقلوا عنه صلاته، ولكي يخلفوه في الإمامة إن حدث به حدث في صلاته وليرجع إلى قولهم إن أصابه سهو أو عرض في صلاته عارض في نحو ذلك من الأمور.
«وهيشات الأسواق» ما يكون فيها من الجلبة وارتفاع الأصوات وما يحدث فيها من الفتن. وأصله من الهوش وهو الاختلاط يقال تهاوش القوم إذا اختلطوا ودخل بعضهم في بعض وبينهم تهاوش أي اختلاط واختلاف.

.ومن باب في الرجل يصلي وحده خلف الصف:

قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب وحفص بن عمر قالا: حَدَّثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي خلف الصف وحده أمره أن يعيد» قال سليمان بن حرب الصلاة.
واختلف أهل العلم فيمن صلى خلف الصف وحده فقالت طائفة صلاته فاسدة على ظاهر الحديث. هذا قول النخعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.
وحكوا عن أحمد أو عن بعض أصحابه أنه إذا افتتح صلاته منفردا خلف الإمام فلم يلحق به أحد من القوم حتى رفع رأسه من الركوع فإنه لا صلاة له ومن تلاحق به بعد ذلك فصلاتهم كلهم فاسدة وإن كانوا مائة أو أكثر.
وقال مالك والأوزاعي والشافعي صلاة المنفرد خلف الإمام جائزة، وهو قول أصحاب الرأي. وتأولوا أمره إياه بالإعادة على معنى الاستحباب دون الإيجاب.

.ومن باب الرجل يركع دون الصف:

قال أبو داود: حدثنا حميد بن مسعدة أن يزيد بن زريع حدثهم، قال: حَدَّثنا سعيد بن أبي عروبة عن زياد الأعلم حدثنا الحسن أن أبا بكرة حدث «أنه دخل المسجد ونبي الله صلى الله عليه وسلم راكع قال فركعت دون الصف فقال النبي صلى الله عليه وسلم: زادك الله حرصا ولا تعد».
قلت: فيه دلالة على أن صلاة المنفرد خلف الصف جائزة لأن جزءًا من الصلاة إذا جاز على حال الانفراد جاز سائر أجزائها.
وقوله: «ولا تعد» إرشاد له في المستقبل إلى ما هو أفضل ولو لم يكن مجزيًا لأمره بالإعادة، ويدل على مثل ذلك حديث أنس في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت المرأة وقيامها منفردة. وأحكام الرجال والنساء في هذا واحدة وهذا يدل على أن أمره بالإعادة في حديث وابصة ليس على الإيجاب لكن على الاستحباب.
وكان الزهري والأوزاعي يقولان في الرجل يركع دون الصف إن كان قريبا من الصفوف أجزأه وإن كان بعيدا لم يجزئه.

.ومن باب الصلاة إلى المتحدثين والنيام:

قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد الملك بن محمد بن أيمن عن عبد الله بن يعقوب بن إسحاق عن من حدثه عن محمد بن كعب القُرَظي قال: قلت له، يَعني لعمر بن عبد العزيز حدثني عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدثين».
قلت: هذا حديث لا يصح عن النبي لضعف سنده وعبد الله بن يعقوب لم يسم من حدثه عن محمد بن كعب، وإنما رواه عن محمد بن كعب رجلان كلاهما ضعيفان تمام بن بزيع وعيسى بن ميمون. وقد تكلم فيهما يحيى بن معين والبخاري ورواه أيضًا عبد الكريم أبو أمية عن مجاهد عن ابن عباس. وعبد الكريم متروك الحديث. قال أحمد: ضربنا عليه فاضربوا عليه.
قال يحيى بن معين: ليس بثقة ولا يحمل عنه وعبد الكريم هذا أبو أمية البصري وليس بالجزري وعبد الكريم الجزري أيضًا ليس في الحديث بذلك إلاّ أن البصري تالف جدا.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى وعائشة نائمة معترضة بينه وبين القبلة.
وأما الصلاة إلى المتحدثين فقد كرهها الشافعي وأحمد، وذلك من أجل أن كلامهم يشغل المصلي عن صلاته. وكان أبو عمر لا يصلي خلف رجل يتكلم إلاّ يوم الجمعة.

.ومن باب الدنو من السترة:

قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة وحامد بن يحيى وابن السرح قالوا حدثنا سفيان عن صفوان بن سليم عن نافع بن جبير عن سهل بن أبي حثمة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته».
قال عطاء أدنى ما يكفيك أن يكون بينك وبين السترة ثلاثة أذرع، وبه قال الشافعي وعن أحمد نحو هذا وأخبرني الحسن بن يحيى بن صالح أخبرنا ابن المنذر أن مالك بن أنس كان يصلي يوما متباينا عن السترة فمر به رجل وهو لا يعرفه فقال أيها المصلي ادن من سترتك فجعل يتقدم وهو يقرأ: {وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما} [البقرة: 113].

.ومن باب إذا صلى إلى سارية أو نحوها أين يجعلها منه؟

قال أبو داود: حدثنا محمود بن خالد الدمشقي حدثنا علي بن عياش حدثني أبو عبيدة الوليد بن كامل عن المهلب بن حجر البهراني عن ضباعة بنت المقداد بن الأسود عن أبيها قال: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلاّ جعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر ولا يصمد له صمدا».
قلت: الصمد القصد يريد أنه لا يجعله تلقاء وجهه والصمد هو السيد الذي يصمد في الحوائج أي يقصد فيها ويعتمد لها.